إعلان الهاتف

فوائد علامات الترقيم واستخداماتها في اللغة العربية

مزايا الترقيم: لا تقتصر فوائد علامات الترقيم على بيان مواضع الوقف أو السكوت التي ينبغي للقارئ مراعاتها في أثناء التلاوة، ولكنه يرمي إلى غاية أبعد وإلى غرض أكبر. فهو خير وسيلة لإظهار الصراحة وبيان الوضوح في الكلام المكتوب؛ لأنه يدل الناظر إلى تلك العلامات الاصطلاحية على العلاقات التي تربط أجزاء الكلام بعضها ببعض بوجهٍ عام، وأجزاء كل جملةٍ بنوع خاص.
نعم إننا لو نظرنا إلى هذه المسألة بطريق الحصر لأقررنا بأن كل أقسام الكلام المنتظم ترتبط بعضها ببعض، وأن فكرة الكاتب لا يتأتي الوصول إلى إدراكها بجميع تفاصيلها إلا عند بلوغ نهاية ذلك الكلام. غير أن هنالك أمرًا لا ينبغي إغفال الإشارة إليه، وذلك أن الكاتب ليس من مصلحته أن يتعب ذهن القارئ ولا بصره، لئلا يدركه الملال، فتضيع الفائدة المقصودة، كلها أو بعضها. لذلك كان من الواجب عليه أن يلفت نظر القارئ في كثير من المواضع بعلامات تحمله على الوقوف قليلًا أو السكوت طويلًا. وذلك بأن يعرض عليه فكرته العامة، مفصلة ومقسمة، بحيث يأتي له تفهم أجزائها واحدًا فواحدًا، بصرف النظر عن العلاقة العامة التي تربط هذه الأجزاء كلها، بعضها ببعض.
علامات الترقيم

فوائد علامات الترقيم

وعلى هذا الحكم تكون الجملة، باعتبار الترقيم، عبارة عن سلسلة من الكلمات يدل مجموعها على جزء من أجزاء تلك الفكرة العامة التي سبقت الإشارة إليها، بحيث إن هذه السلسلة تؤدى — ولو بصفة وقتية — إلى فهم معنى مستقل بنفسه وكامل في حد ذاته. فهذا الموضع هو الذي يجب وضع النقطة (.) عقبه، للفصل بين كل جملة وما يليها من أخواتها، حتى يصح القول بأن الكاتب أراد الدلالة بهذه الوسيلة على أنه قد فرغ من عرض فكرته الجزئية وأنه يطلب من القارئ أن يقف قليلًا عند هذا الموضع ليعلق بذهنه ما وقع عليه بصره.
وكلما كثرت النقط في الكلام المكتوب، كان أكثر صراحة وأشد وضوحًا؛ ولكنه يكون في الحقيقة مفككًا. وكلما كانت نادرة كان الإنشاء متماسكًا؛ ولكنه يكون موجبًا للتراخي وداعيًا لتبرم القارئ والتثقيل عليه في سهولة فهم ما بين يديه. فالإفراط في كل من الحالين مذموم، وخير الأمور الوسط على ما هو معلوم. والكاتب القدير والمنشئ النحرير هما اللذان يكون في وسعهما اتباع الطريقة المثلى للجمع بين المزيتين، وهما: الوضوح، وتسلسل الأفكار وأخذ بعضها برقاب بعضٍ على أسلوب معقولٍ ومقبول.

حكم عام

تلك هي القواعد الواجب مراعاتها في كل حال. ولكن للكاتب مندوحةً في الإكثار أو الإقلال من وضع هذه العلامات، بحسب ما ترمي إليه نفسه من الأغراض ولفت الأنظار والتوكيد في بعض المحالِّ ونحو ذلك مما يريد التأثير به على نفوس القراء. فكما يختلف الناس في أساليب الإنشاء، وكما تختلف مواضع الدلالات كما هو مقرر في علم المعاني، فكذلك الشأن في وضع هذه العلامات. ولكن الترقيم إذا كان يختلف باختلاف أساليب الإنشاء، فليس في ذلك دليل على جواز الخروج عن قواعده الأساسية التي شرحناها. وإنما يكون ذلك بمثابة تكثير لبيان الأحوال التي تستعمل علاماته فيها.
وملاك الأمر كله راجع لذوق الكاتب، وللوجدان الذي يريد أن يؤثر به على نفس القارئ ليشاركه في شعوره وفي عواطفه.
والممارسة هي خير دليل، يهدي إلى سواء السبيل.
  • المصدر: كتاب فوائد علامات الترقيم كتاب: الترقيم وعلاماته في اللغة العربية تأليف: أحمد زكي مؤسسة هنداوي لتحميل الكتاب كاملًا من هنا
google-playkhamsatmostaqltradent