لما استولت الدولة العباسية على مقاليد الحكم سنة ٧٥٠م، أصبحت السيادة في العالم الإسلامي للعراق دون الشام، وأدى ذلك إلى تغيير كبير في أساليب العمارة والزخرفة، فانتقل البناءون إلى استعمال الآجرِّ بدلًا من الحجر، وإلى بناء القوائم Pillars بدلًا من اتخاذ الأعمدة columns، وغلبت الأساليب الفنية الفارسية على الفنون الإسلامية، كما غلب الطابع الفارسي على الأدب والحياة الاجتماعية. وفي سنة ٧٦٢، شيَّد الخليفة المنصور مدينة بغداد على نهر دجلة محاولًا بناءها على شكل دائرة في وسطها القصر والجامع، ويحيط بها سور كبير فيه أبراج ويوازيه سور آخر.
الطراز العباسي ومدينة سامرا
وفي سنة ٨٣٦، شيَّد الخليفة المعتصم مدينة سامرا أو سُرَّ مَن رأى على الضفة اليمنى لنهر دجلة، وعلى بُعد مائة متر شمالي بغداد، واتخذها عاصمة جديدة للدولة. وقد ذاع صيت سامرا بالقصور العظيمة التي شيدها فيها المعتصم وخلفاؤه، حتى هجرها الخليفة المعتمد سنة ٨٨٣، وأرجع البلاد والحكومة إلى بغداد، وسقطت أبنيتها الواحد بعد الآخر اللهم إلا الجامع. وقبيل الحرب العظمى قامت بعثات علمية أوروبية بحفائر كبيرة للكشف عن أنقاضها، ولا يخفى أن لهذه الأنقاض أهمية كبيرة في تاريخ الفن الإسلامي، ولا سيما في مصر؛ لأن أحمد بن طولون — الذي كاد أن يستقل بحكم وادي النيل سنة ٨٦٨م — كان قد نشأ في سامرا، فنقل إلى مصر ما كان في العراق من أساليب العمارة والزخرفة. ويتجلى ذلك كله في جامع أحمد بن طولون الذي يعتبر في عمارته وزخرفته الجصية مثالًا حيًّا من أمثلة الفن العراقي في القرن التاسع الميلادي.
الطراز العباسي في جامع أحمد بن طولون
وقد تم بناء هذا الجامع سنة ٨٧٨، وهو يتكون من صحن مربع مكشوف، وتحيط به أروقة من جوانبه الأربعة، وتقع القبلة في أكبر هذه الأروقة، وهناك ثلاثة أروقة خارجية بين جدران الجامع وبين سوره الخارجي، وتسمى الزيادات، ولعلها بنيت حينما ضاق الجامع عن المصلين، وجامع ابن طولون مشيد بآجر أحمر غامق، وأقواس الأروقة محمولة على دعائم ضخمة من الآجر تكسوها طبقة سميكة من الجص، بدلًا من الأعمدة التي كان المسلمون يأخذونها من الكنائس والمعابد القديمة، ولكن أهم ما يمتاز به هذا الجامع هو مئذنته أو منارته التي تقع في الرواق الخارجي الغربي، فتكاد لا تتصل بسائر بناء الجامع، وهي مبنية بالحجر، وتتكون من قاعدة مربعة تقوم عليها طبقة أسطوانية وعليها طبقة أخرى مثمنة. وأما السلالم فمن الخارج على شكل مدرج حلزوني، وليس لهذه المنارة نظير في الأقطار الإسلامية، اللهم إلا في المسجد الجامع وفي مسجد أبي دلف بسامرا.
الطراز العباسي في الجامع الطولوني
وأبنية الجامع الطولوني مغطاة بطبقة سميكة من الجص، وعلى أجزاء كبيرة منها زخارف هندسية جميلة مأخوذة عن الزخارف العراقية في سامرا. وقد عثرت دار الآثار العربية في حفائرها بجهة أبي السعود جنوبي القاهرة على بيت من العصر الطولوني على جدرانه زخارف جصية مأخوذة عن نوع من الزخارف الجصية في سامرا.
امتاز العصر العباسي
ومما امتاز به العصر العباسي نوع من الخزف ذو بريق معدني lustre ذاع استخدامه في العراق وإيران ومصر والشام وإفريقية والأندلس، وكانت تصنع منه آنية يتخدها الأمراء والأغنياء عوضًا عن أواني الذهب والفضة التي كان استعمالها مكروهًا في الإسلام؛ لما تدل عليه من البذخ والترف المخالفين لتعاليم الدين، كما كانت تصنع منه أيضًا تربيعات تكسى بها الجدران كالتي لا تزال باقية حتى الآن في جامع القيروان.
وقد وصلت إلينا بعض صور وتزاويق من العصر العباسي وجدت على بعض الجدران في أطلال مدينة سامرا، وأشهر هذه الصور رسم فيه راقصتان، ويشهد بما كان للأساليب الفنية الفارسية من تأثير على التصوير في العصر العباسي.
- المصدر كتاب: في الفنون الإسلامية تأليف: زكي محمد حسن
- مؤسسة هنداوي: لتحميل الكتاب pdf من الموقع الرسمي من هنا