إعلان الهاتف

رواية اقتسره العشق الفصل 8 الثامن للكاتبة أميرة مدحت

الصفحة الرئيسية
رواية اقتسره العشق

رواية اقتسره العشق الفصل الثامن "8"

  ما بين النَّصيب والقدر
هُنــاك مقبرة دُفنت فيهــا نصف مشاعِـر البشر

بقت غيوم الماضي معــه فـ قضى ليلـه المُظلم شاردًا، ظلَّ التفكير خليلـه، وبدأت سيل الذكريـات تطارد عقلـه، حرك رأســـه إيجابيًا بـ غموض مريب بعد أن وصل إلى ما سيفعلــه معهــا، فـ هي مُنذ أول يوم دخلت فيـه الشركة، لم تدخل بـ مُفردهـا، بل جلبت الجحيم معهــا، فـ لا مفر!!..

******
وقف "يوسف" يرتدي بذلـتــه بعد أن أحضرهــا رفيقــه لـه، ملامحــه مُتهجمــة نوعًا ما.. وعينيــه قاسيتين.. قسوة رجُل ذاق طعم العذاب، وقف أمام المرآة ثم دقق النظر في صورتــه المعكوســة، وضع يده اليُمنى على صدره ساحبًا نفسًا عميقًا محاولاً تمالك نفســه، وأن يجمد قلبــه قليلاً، ما يتمنــاه حدوثــه شبه مُستحيل، فـ وجد نفســه يهمس جمودٍ غريب:
-خلاص، كُل حاجة أنتهت.

أخفض يده وهو يُتابــع:
-من اللحظـة دي، أنا مُجرد رئيسهـا في الشغل، لا أكتر ولا أقل.

سمع صوت طرقات على باب الغُرفــة فـ أذن بالدخول، دخل "سيف" وملامحـــه هادئة، حدجـــه بـ دقــة قبل أن يسألـــه بجديـة:
-مالك يا يوسف؟؟..

لم يجيبــــه بل تحرك نحو الكومود ساحبًا هاتفــه، أضــاف "سيف" بـ بسمـة ماكرة:
-الموضوع خاص بـ سارة؟؟..

تصلب جسده للحظـة، وأغمض عينيـهِ بألم حـارق، أختفت البسمـة الماكرة من على وجه "سيف" وحل مكانهـــا الجمود، أخفض رأســه للحظة قبل أن يسألــه بصوتٍ حـاد:
-إيـه إللي حصل؟؟..

أجـاب بصوتٍ خالٍ من الحيــاة:
-متجوزة!!..

ظل ينظر إليـهِ طويلاً بـ ملامـح مصدومـة، قبل أن يهمس:
-ينهــار أسود.

صمت قليلاً قبل أن يسألــه بلهجـة شبـه غاضبـة:
-طب وإنت إزاي مكُنتش تعرف؟؟..

رد عليــه بجمود:
-مفيش ولا مرة شوفتهــا لابسـة الدبلة، فـ كُنت هعرف منين؟؟..

مسح على وجهه بقوة وهو يدور بخُطى غاضبـة، توقف عن الحركـة حينمـا سمعــه يقول بجديـة:
-أنا مش عاوز أسمع الموضوع ده تاني، لأني لازم أشيلـه من دماغي.

أقترب "سيف" منـه ثم وضع يده على كتفــه قائلاً بلهجــة جـادة:
-يوسف إنت أقرب واحد ليـا، مش عاوز أشوفك تعبان أبدًا، أنا واثق إنك هتقدر تتخطى الموضوع، بس المُهم عندي إني عايزك تبقى كويس، وصدقني هتلاقيني جنبك دايمًا.

إبتسم "يوسف" لـه وهو يحرك رأســه، ثم سألــه محاولاً تغير الحديث الذي يؤلمـــه:
-إيـه الأخبـار عندك إنت؟؟.. حصل حاجـة إمبارح؟؟..

أظلمت عينيــه قليلاً وهو يُجيبـــه:
-وصلتلي رسالــة تهديد، لو مبعدتش عنهــا وبعدت عن الموضوع ده، هتقتـل!!..

أتسعت عينـا "يوسف" بقلق، فـ تابــع "سيف" مُضيفًا وقد برقت عينــاه بحزم:
-عشان كده أنا هسافر على القريـة، هقعد هنـاك يومين تلاتـة، لأني لازم أوصل لحاجـة مُعينـة فـ أسرع وقت مُمكن، وإلا فعلاً مُمكن أتقتل، ومش لوحــدي.

******
دقت الســاعة الخامســة ونصف حينمـــا وصل فهد آل نصــار إلى القصر، ترجل عن سيارتــــه متوجهًا نحو الداخل، قابل في طريقـــــه زوجـة أبيــهِ، فـ أرتسمت إبتسامة قاسية على وجهه، قرر أن لا يعبئ بـ وجودهـــا فـ أمثالهــــا يستحق ذلك، ولكن قبل أن يتجاوزهــا سمع صوتها البغيض وهي تُردد:
-أهلاً ياإبن نـادية، نورت البيت.

أحتقنت عينــاه للحظـة، لم يتحرك تعبير وجهه إلا من إنقباض عضلة صغيرة بجانب فكــه، ألتفت إليهــا مُتسائلاً بلهجة شيطانيـة:
-قولتي إيـه يا مرات أبويــا؟؟..

نظرت إليــه بطرف عينيهــا وهي تقول بـ براءة:
-بقولك نورت البيت، قولت حاجـة غلط؟؟..

أظلمت عينــاه وهو ينظر إليهــا بتصلب هاتفًا:
-ياريت مسمعش أسم أُمي الله يرحمهــا على لسانك، فـااااهمـة؟؟..

قال كلمتـه الأخيرة بصوتٍ هـادر، فـ تراجعت للخلف قليلاً خشيًا منــه، رمقهــا بإزدراء قبل أن يصعد على الدرج متوجهًا نحو غُرفـة نومــه، في حين ظلت تنظر إليهــا بـ كُرهٍ واضــح، كُره أرتسم بـ براعة على تعبيراتهــــا.

******
لم تستطـــع أن تظل جـالسـة في مكانهــا بهدوء، وهي لا تعلم من بعث لهـا تلك الرسـالة الخطيرة التي ستفتح ما دفنتــه مُنذ فترة، صورتــه أخترقت عقلهــــا فـ تهجمت ملامحهــا على الفور، فكرت قليلاً أنــه من المُمكن هو من بعث لهــا تلك الرســالة، فـ أهو أعلن لهـــا أكثر من مرة أنهــا ستندم وسترى منـه ردة فعل لا يُمكن أن تتوقعــه.

فـ بدون أن تفكر مرتين، أرتدت ما قابلتـــه أمامهـــا ثم خرجت من منزلهـــا وقد أستعدت لتلك المواجهة التي ستحدث.. في قصر آل نصـــر.

وصلت إلى قصره الفخم أخيرًا، تحركت بخُطى سريعـة نحو البوابــة، فـ أقترب منهــا الحارسين كي يعترضـا طريقهـــا، عقدت ساعديهــا أمام صدرهــا ثم رفعت ذقنهـا قليلاً وهي تقول بـ حدة:
-عايزة أقابل سيف باشـــا.

تحرك الحــارس الأول نحو الداخـل كي يجلب معــه موافقـة من رب عملــه، أنتظرت للحظات معدودة قبل أن يأتي وهو يومئ رأســه لهـا إيجابيًا، ســارت نحو الداخل وما إن خطت قدميهــا نحو الداخل، أخذت تبحث بـ عينيهــا عنــه ولكن وجدت إمرأة تقترب منهـــا بثبــات قبل أن تسألهــــا:
-إنتي كــارمـا عزيـز؟؟..

حركت رأسهــا إيجابيًا مع إبتسامة بـاردة، فـ أشتعلت عينــا "ثُريـا" غضبًا وهي تهدر بـ:
-بقى واحدة زيك ترفع سلاحهــا على جوزي، إنتي متعرفيش أنا مُمكن أعمل فيكي إيــه؟؟..

حركت كتفيهــا ببساطة وهي تقول:
-ولا يهمني، وبعدين جوزك هو إللي جابـهُ لنفســهُ.

أتسعت عيناهـــا بذهول، فـ تابعت "كـارمـا" ببرود:
-وبعدين أنا مش جايـة هنــا عشان أتكلم في إللي حصل إمبارح، من فضلك عاوزة أقابل سيف باشـا.

قالت "ثُريــا" بحدة:
-مفيش مُقابلة هتحصل في بيتي، أتفضلي أطلعي برا.

تمتمت "كارمـا" بإبتسامة:
-ولو قولتلك مش طالعــة.

كانت إجابتهـا متوقعـة وهي:
-هجبلك الحراس إللي برا ياخدوكي من قفاكي ويرموكي بـرا.

قالت "كـارمــا" بتحدي:
-أعملي كده، وعُقبـال ما يكون وصلوا أكون أنا ندهت على سيف باشـا بـ نفسي.

ثانيـة واحدة وكانت تراجعت للخلف خطوة واحدة هادرة بإسمـــه قائلة:
-سيــــــف، سيــــــف ياإبن النصــــــار.

******
خرجت "سـارة" أخيرًا من المشفى ولكن بـ مفردهــــا، تجمعت العبرات في عينيهـــا وهي تنظر حولهــا، شعرت بيتمهـا وبضعفهــا، وكأنهــا في عالم جديد عليهــا، ســارت بخُطى بطيئــة نحو الطريق ثم أوقفت سيارة أجرة وأستقلتهـــا بهدوء، فـ أنطلقت إلى بيتهــا.

بعد نصف ساعــة، كانت بداخل منزلهــا بعد أن تلقت التعازي من أهل المنطقـة، هي خسرت والدتهــــا، كانت هي الأم والأب والصديقـة وكل شيء لهــا، هي أول وآخر شيء رحل عنهـــــا، كتمت بصعوبــة شهقاتهـــا الموجوعـة لفارقهــا، ولكن لم تستطع أن تكتم أكثر من ذلك، أجهشت ببُكاء حــارق يدمـع لهـا القلوب، وأنهارت قدماهــــا عندمـا وصلت إلى غُرفـة والدتهـــا، صرخت بألم أكبر وهي تجثو على ركبتيهـــا، حركت رأسهـا بعدم تصديق وهي تهمس بعذاب:
-سبتيني يا ماما، سبتيني لوحدي!!!..

أغمضت عينيهــا وهي تقول بحرقـة:
-ليــه يا أمي سبتيني، كنتي شايلة من عليـا كتير.

شهقت بعُنف وهي تهمس:
-سبتيني لأبويــا وجوزي!!!!!.. سبتيني لأكتر أتنين كرهتهم وأكتر أتنين بيحبوا يأذونــي!!..

فتحت عيناهــا وهي تقول بألم:
-خُديني معاكي يا مامـا، أرجوكي متسبنيش.

صرخت بـ مرارة:
-مـامــااااااااااااااااا.

حركت رأسهــا بتعب وعقدت حاجبيهــا بوجع هاتفـة:
-آآآه، أنا بمـوت يا ماما، بمـــــوت، أرجوكـــي خُديني معاكــي، آآآآآآآآآآه.

قالتهـــــــا وجسدهـــا بالكامل يسقط على الأرضيـة الصلبــة، كان واقعهــا مرير عليهـــا، لم تستطع أن تتحملــه بـ مفردهـــا، أدركت مدى خسارتهـــا الفادحــة، شعرت بالظلام يغلف عينيهـــا وأن الأرض تُميد بهــا، فـ سقطت رأسهــا أيضًا فاقدة الوعي.

******
أرتدى أحد القمصـان القطنيـة باللون الأسود حيثُ أخذت شكل جسمـه وأبرزت عضلاتـه المتكدسـة، كان يغلق ضلفـة الخزانـة حينمـا وصلــه صوتهــا الصائح بإسمــه، أتسعت عينــاه بذهول قبل أن يخرج من غُرفتــه، ظهر من الأعلى فـ أبتسمت بثقــة وهي تقول:
-كويس إنك هنـا يا سيف باشـا.

هبط إلى الأسفل وهو يحدجهـــا ببرود، إبتسم لهــا بقسوة هاتفًا:
-جايـة ليـه؟؟.. ياترى وراكي إيــه؟؟.. ما أنا كل ما أشوفك لازم الاقي مُصيبة أو كـارثـة حصلت!!..

دنت منــه وهي تقول بحدة:
-المصايب والكوارث إللي بتقول عنهــا إنتوا السبب فيهــا مش أنا ياإبن النصــار.

ألتفت برأســه نحو زوجـة أبيـه؛ فـ وجدهــا ترمقــه بغضب، تنهد بحرارة وهو يقول بهدوء زائف:
-تعالي نتكلم في أوضـة المكتب، مش هينفـع نتكلم هنــا.

ختم بـ تلك الكلمات ثم تحرك بخُطى ثابــتة نحو مكتب والده، تنهدت بـ عُمق قبل أن تتحرك خلفـــه، أشــار لهــا بأن تغلق الباب ثم وقف بثقــة واضعًا يديـهِ بداخل جيبي بنطـالـــه، بينما هي دنت منــه حتى وقفت قبالتــه، هتف "سيف" بصوتٍ قوي:
-خير يا كـارمــا؟؟.. ياترى إيه سبب زيارتك؟؟..

حينهــا نطقت سؤالهــا بكُل وضوح:
-إنت إللي بعتلي الرسالة وعملت المكالمـة إياهـا؟؟..

عقد ساعديــه أمام صدره الضخم وهو يسألهــا ببرود:
-رسـالة إيـه ومُكالمـة إيه؟؟..

تمتمت بنبرة حـادة:
-بلاش تعمل إنك مش عـارف، أنا مُتأكدة إنك ورا الموضوع ده.

ضيق عينيــهِ وهو يسألهــا بغضب مكتوم:
-إنتي ليـه واخدة فكرة وحشـة أوي عننـا كده؟؟..

ردت عليـه على الفور وبـ ثقة غريبـة:
-لأن إللي زيكم يقدروا يأذوا، ومحدش لـهُ مصلحـة أنه يهددنـي ويأذيني غيركم بعد ما منعتكم تاخدوا البيوت.

رفـع وجهه إليهــا بـ عينين تقدحـان شررًا محاولاً تمالك نفســه، بينمــا أضافت هي بـ نبرة شريرة:
-بس أقسم بالله لو حد أذانـي، لأدفعكم التمن غـالي أوي وهاخد حقي منك ياإبن النصــار.

أرتفعت يده فجـأة لتقبض على ذقنهــا بقوة مُقربًا وجههـا إليـه بقوة، شعرت بأنفاســــه الحـارقة تلهب وجههـــا، وعينيــه الخضراوتين قد أشتعلت بـ غضبٍ جـامـح، أرتفعت نبضــات قلبهـــــــا بقلق فـ هي تعلم جيدًا أنهــا تبالغ قليلاً، كانت تنظر إليـهِ بـ عينين متسعتين.. ذاهلتين.. غاضبتين، أرتسمت إبتسامة قاسيـة على ثغره وهو يغمغم لهــا بصوتٍ مُخيف:
-أوعي تفتكري ولو للحظة إنك إنتي إللي منعتي أن أبويـا ياخُد البيوت، وأنا لو عاوز أأذيكي هاخدك من عند بيتك وأدفنك هنـا، ومحدش هيعرف بـ ده.

بهت وجههــا من تأثير كلماتــه، فـ أتسعت عينيهــا ولكن تابع بخفوت:
-ياريت تبطلي تستعرضي قوتك، لأنك في الحقيقة إنتي جبانـــة.

فغرت "كارمـا" شفتيهـــا قليلاً، فـ حدق في عينيهــا بقوة ثم قال مباشرةً:
-أيـوة جبانـة، وجبـانــة جدًا كمـان.

ترك ذقنهـــا بـ بُطء ثم تراجع للخلف، ظل ينظر إليهـا بـ عينين شرستين مُغمغمًا:
-وأسلوبك ده لو أستمريتي فيـه معايا، هتشوفي أيـــام سودة.

رفعت ذقنهــا وهي تقول بشموخ:
-أنا مش بتهدد ومش بخــاف.

تنهد بقسوةٍ ويأس ثم هتف بصوتٍ حــاد:
-إيـه حكايـة الرسـالة والمكـالمـة؟؟..

حركت كتفيهـا بإبتسامة بـاردة قائلة:
-رسـالة تهديد ومكالمـة إني أنسحب، تحذير يعني.

إبتسم بتهكم قائلاً بسخريـة:
-آه وفاكرة سيادتك بـ ذكائك الخـارق إني ورا المُكالمـة والرسـالة؟؟..

ردت "كارمـا" ببساطـة:
-بظبط كده ولسـه شاكـة.

ظلت إبتسامة الساخرة مُرتسمة على وجهه، بينمــــا هتفت آخر كلماتهـــا ببرود يُثير أعصاب المستثارة:
-وهفضل شاكـة فيك إنت بذات لحد ما تثبت أن في حد تانــي ورا الموضوع ده.

عقد ساعديــــه وهو يحرك رأســه إيجابيًا بـ تهكم واضــح، رمقتـــه بـ تحدٍ سـافر قبل أن تستدير نحو الباب وتلج خــارج غُرفـة المكتب، في حين ظل "سيف" واقفًا وكان دوره في أن تظلم عينــاه وهو يزفر نفسًا حانقًا من أنفـــه، تحرك نحو المقعد الجلدي ثم جلس عليــه وقد أسقط رأســه للخلف مُتنهدًا بقسوةٍ ويأس، همس بصوتٍ غاضب مكتوم:
-غبيــة!!..
******

"أَنَتْهَـاءُ الفَصْلُ الثَّامِنُ"
  • دخول إلى فهرس الرواية كاملة يحتوي على جميع الحلقات أضغط هنا

google-playkhamsatmostaqltradent